أحد سكان الوسط التونسي خلال مظاهرة أمام قصر الحكومة جانفي 2011 (فتحي بلعيد/ صور قاتي) |
وخاض المؤتمر في المسائل المتصلة بالعدالة وخصوصا منها القضايا الناجمة عن التطورات الأخيرة التي جدّت بالبلاد التونسية ومصر وغيرهما من بلدان المنطقة وذلك بالمراوحة بين التجارب الدولية والمسائل الراهنة التي تواجه المجتمعات السائرة نحو الديمقراطية.
وقد غطى الجزء الأول من النقاشات مسألة العدالة الانتقالية خلال الأوضاع التي تعقب الدكتاتورية مع التركيز بالخصوص على تجارب من أمريكا اللاتينية. وركز المشاركون على الحاجة الملحة إلى مقاربة شاملة لا تخلو من روح الإبداع فيما يخصّ العدالة الانتقالية ولا يفوتها أن تنظر بعين الاعتبار إلى فرادة الظروف التي تمرّ بها الأوضاع في تونس.
وانصبت الأسئلة والنقاشات من جهتها على مسألة العدالة الجنائية باعتبارها جزءا لا يتجزّأ من مسار التحوّل وإن كان لا بدّ أن يتمّ اعتمادها إلى جانب مقاييس أخرى من قبيل جبر الأضرار والمعالجة وتقصي الحقائق.
أمّا الجلسة التالية فقد تواصل فيها النقاش حول العدالة الجنائية في علاقتها بالمحاسبة القضائية. وألقى المتدخلون الضوء على الصعوبات التي تعترض العدالة الجنائية داخل سياقات التحول بما في ذلك تعقّد الحالات والعدد الكبير من مرتكبي الاعتداءات وكثرة الضحايا زيادة على محدودية المحاكم الجنائية في توفير التعويض المناسب. أما نقاش المشاركين الذي تلا المحاضرات فقد ركز على الحاجة إلى إصلاح هيئات تقصي الحقائق والتتبعات وتعزيزها ضمن أجهزة القضاء التونسي وشدد على أنّ ثمة بعض شكوك الرّأي العام التونسي التي تحوم حول استقلالية القضاء
ومن جهتها ركزت حصة النقاش الأخيرة التي التأمت يوم الخميس على مسألة إصلاح جهاز الأمن بما يقتضيه من مسار تغيير المؤسسات القائمة على الاضطهاد بمؤسسات أخرى تستجيب لحاجات المجتمع فضلا عن معالجتها، وهو المسار نفسه الذي يكون بمقتضاه الأعوان العموميون مؤهلين لتحمّل مسؤولياتهم. وتطرح مسألة إصلاح الجهاز الأمني تحدّيات مخصوصة على بلدان المنطقة ممن ليست لها تجربة متينة وتاريخ طويل في مجال إدخال التعديلات على المنظومة الأمنية. وقد ناقش المشاركون إمكانيات إعادة تأهيل أعوان السلك الأمني وتدريبهم آخذين بعين الاعتبار الخطورة المحتملة التي يمكن أن تنجر عن المعالجة.
وافتتحت نقاشات يوم الجمعة بالخوض في مسائل تتعلق باستقصاء الحقائق وبالخصوص ما اتصل من ذلك بلجان تقصي الحقائق في صلتها بالتوثيق، وذلك من أجل المحافظة على تسجيلات بالغة الأهمية توثق للماضي وما تعلق منها بالمقاييس الضرورية من أجل إنجاز هذا العمل. وعقب ذلك كله نقاش مستفيض خاض في مسألة العمل المنوط بعهدة اللجنة المكلفة بتقصي الحقائق ذات الصلة بالأحداث الأخيرة والانتهاكات التي ارتكبت بالبلاد التونسية ولاسيما منها أصناف الانتهاكات التي تم رصدها ومقاييس انتداب أعضاء اللجنة ووصول جمهور المواطنين إلى المعلومات المتعلقة بالمتابعات ومنهجية تجميع المعطيات وضمان التمويلات اللازمة من أجل إنجاز عملها.
أما حصة النقاش الثانية التي جرت يوم الجمعة فقد نظرت في ضمان الحق في جبر الضرر وفي مختلف الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى ذلك سواء عن طريق التعويض المباشر. وتناولت كذلك مسألة النُّصب التذكارية والتعويضات الجماعية ومجهودات التنمية. وقد أصدرت الحكومة التونسية بعدُ مطالب جبر الضرر إلاّ أنه لم يوضع إلى حدّ الآن أيّ مخطط أو أية آلية للاستجابة إلى هذه المطالب. ولم يدّخر المشاركون جهدا في إثارة ما يشغلهم بخصوص التدابير التي يجب اتباعها والمنهجيات التي ينبغي التعامل بها مع مختلف أصناف الانتهاكات وحاجات الضحايا.
وانصبت أشغال الجلسة الثالثة على مسألة العنف الموجه ضد النساء. فعندما يتعلق الأمر بآليات العدالة الانتقالية نجد أن النساء لسن في الغالب الأعم ممثَّلات في مختلف الاستشارات المفضية إلى وضع مختلف المقاييس وهو ما يؤدي حتما إلى الإقصاء والعنف والاعتبارات القائمة على أساس النوع الاجتماعي. وتركز النقاش الذي عقب ذلك على تمثيل النساء في مختلف هيئات تقصي الحقائق التي تم إنشاؤها بالبلاد التونسية وقدرة هذه الهيئات على الخوض في مسائل العنف الجنسي ومختلف أشكال العنف الذي يستهدف المرأة مما جدّ خلال المظاهرات الأخيرة فضلا عن انعدام الحرية أمام المرأة حتى تبوح بالعنف الذي تشكو منه.
وفي الجلسة الختامية التي توجت اليوم الثاني لفت ممثلو المنظمات التي استضافت هذا المؤتمر الدولي انتباها خاصا إلى الوضع في اليمن حيث يجري قتل المتظاهرين وهو ما حدا بأحد المشاركين من اليمن إلى رفع نداء من أجل "كسر جدار الصمت الذي يحيط بالجرائم المقترفة ضدّ الشعوب المطالبة بالعدالة والديمقراطية" في ذلك البلد.
وأجمع المنظمون على أنّ المؤتمر مثّل تجربة تستخلص منها العبر والدروس التي يمكن أن يستقيها المعنيون بالأمر وأنّ الشركاء الدوليين وخصوصا منهم المركز الدولي للعدالة الانتقالية عاقدون العزم على العمل جنبا إلى جنب مع شركائهم من التنونسيين حول تدابير العدالة الانتقالية التي ينتظرها المجتمع التونسي.
No comments:
Post a Comment